الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

البيوت و الناس

و أنا أرتقي الدرج وجدتهم ينقلون الأثاث إلى الشقة المقابلة لنا، شقة

عمي الربيعي أو ديدي كما كنا نناديه.

جيران جدد سيحتلون البيت الذي أعرفه معرفتي ببيتنا.

مضت سنوات و الشقة مقفلة و لم يضايقني ذلك، لماذا يضايقني أن يقيم

فيها سكان جدد؟

أذكره عندما انتقل للسكن بجوارنا رجل ضخم الجثة يذكرني

بشون كونري بقامته المديدة و حواجبه الكثة رفقة زوجته التي لا يفارقها

إلا عند خروجه للصحراء لتفقد مشاريعه.

بعد أن توطدت العلاقة بيننا قصت علينا كيف أصيب في أواخر الثورة و نقل

إلى تونس و بقي هناك إلى ما بعد الاستقلال و قد ظن الجميع انه

استشهد لكنه عاد و قضى سنوات يبحث عنها و عن ابنته الكبرى

حتى عثر عليهما.

أحببت رفقة تلك المرأة، كانت قليلة الكلام و كان ذلك يناسبني، كنت

أساعدها في أشغال البيت في غياب زوجها و نجلس بعدها لتعلمني

أشغال الإبرة و الطرز.

ديدي كان العلامة الفارقة في الحي، الرجال يحترمونه النساء يتوارين

خجلا منه و الأطفال يتشبثون بأطرافه. كان يغيب لكننا نعلم بعودته

فورا بسبب العطر الرجالي الذي يضعه و تبقى رائحته في مدخل العمارة

لفترة طويلة.

كنت في طريقي إلى الثانوية اهبط السلم ركضا كعادتي عندما صادفته

يصعد بهدوء تهلل وجهي لرؤيته سلمت عليه، نظر الي مليا و قال:

ـ آنسة جميلة مثلك تهدى إليها الزهور لا يجب أن تركض بهذه الطريقة

على السلم.

شعرت ببعض الخجل و بعض الزهو قلت له ممازحة:

ـ نعم لكن عندنا يوجد فقط جريد النخل و الصبار.

ابتسم و أخذ يدي و قبلها.

أمي تقول دائما البيوت بناسها...

يغادر الناس و تحتفظ البيوت بالروائح و الذكريات حتى يأتي من يملؤها

بروائح و ذكريات جديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق